أَتاني الأَمسَ بِالفَجرِ صَديقٌ طـيُّـبُ الذِّكـرِ
تَـبـادلـنا التَـحيَّـاتِ وَأطلَعَني عَلى السِّـرِّ
وَأَعطانـي وُرَيقـاتٍ تَـراكِـيـبـاً كَــآجُـرِّ
عَلى صَفحـاتِها صُوَرٌ تَكادُ تَكونُ كَالسِّحرِ
كَأنَّ شُخُوصَها حَيَّة وَتَـألَـفُـها عَلى الفَـورِ
بِـرَغمِ غَرابَـة الشَّكلِ وَفَوضى الوَصلِ وَالبَترِ
رَآهـا فِي دَفـاتِـرِهِ وَكَيفَ أَتَـتـْهُ لا يَـدرِي
******************
فَقُـلتُ :بِـنا، سَيَـعرِفُها حَكِيمٌ نَـيِّـرُ الفِـكـرِ
وَأَصبَـحـنا بِمَسـكَـنِهِ نُرِيدُ الـرَّأيَ بِالأَمـرِ
فَعـايَـنَـها وَرَتَّــبَــها وَقالَ إِلَيكُما خَبْـرِي:
أَرى صُوَراً مُسَرَّبَـةً بِـقَـلـبِ مُـصَّـورٍ حُـرِّ
فَحقلُ القَمحِ وَالبَـيـدَر وَأَرضُ القَمحِ بِـالقَـفـرِ
وحَبُّ القَمحِ فِي السُّنبُلْ بِـضَوءِ الشَّمسِ كَـالدُّرِّ
أجِـنَّـتُـهُ نُـجَـيـمـاتٌ نَمَتْ بِاللَـثـمِ وَالـغَـمـرِ
وَيُـطـفِـئُ نُـورَها سَـيـلٌ بِـلَـيـلٍ عــاصِــفٍ قَـرِّ
وَيَرمِي القَمحَ فِي الوَحلِ بِـمـاءٍ آسِـنٍ جَـزْرِ
*********************
فَـهٰذا الـحَقلُ مَدرَسَـةٌ وَبَـيـدَرُهُ جَـنـى الـخَيرِ
وحَـبُّ الـقَمحِ أَطفـالٌ وَهُمْ لِـلأَهلِ وَالـنَـذْرِ
لِما يَـسمُو مِـنَ الـشِّـيَمِ تُؤاخِيـهِمْ عُـرَى الـبِـرِّ
بِـشَرعِ اللٰهِ وَالـبَـشَرِ وَطَـيِّ الأَهـلِ وَالـمِـصرِ
سَـنابِـلُ قَمحِـنـا غُـرَفٌ تُحِيطُ الـنَّـشْءَ بِـالنُّورِ
بِـتَـربِـيَـةٍ وَتَـعـلِـيـمٍ وَتَـحـفِـيـزٍ عَلى الـدَرِّ
وَطِـبُّ النَّفسِ يَـرفُدُها لِـرَأبِ الصَّدعِ وَالـكَـسرِ
وَكَشفِ مَواطِنِ الـخَلَلِ بِـعَـيـنِ الـبَـازِ وَالـنَّسرِ
وَتَـوثِـيـقِ الـبَـيـانـاتِ وَوَضْعِ الـحَـلِّ وَالسَّـبـرِ
********************
وَهٰـذا الـسَّـيلُ أَزمَـتُـنـا أَتَـتْ بِـالـحِـقدِ والـمَكْـرِ
وَلَـيـلُ الـبَـردِ غَـفـلَـتُـنـا عَـنِ الـسَّـاعِـيـنَ لِـلـغَـدرِ
فَـلَـمَّـا حَـلَّـتِ الـحَـربُ بِـعُـذرٍ أَو بِـلا عُـذرِ
تَـرَدَّى الـحـالُ وَالـنَّـاسُ وَحَـقُّ الـطِّـفـلِ لِـلـقَـعـرِ
فَـأَينَ الحَـقُّ في طِـفـلٍ يَـجُـوعُ بِـأَرضِـنا الطُّهـْرِ
وَيُـدمِي الكَـدُّ مِـنـْكَـبَـهُ كَـعَـبـدٍ هَـيِّـنِ الـقَـدرِ
وَقَـد يَـبـقـى بِـلا أَهـلٍ وَلا مَـأوى وَلا سَـتـرِ
وَلا الـهَـيـئَـاتُ تُـنـقِـذُهُ وَسَيلُ الوَيلِ يَسـتَشـْرِي
فَيُصبِحُ فِي الغَـدِ الآتِي سَـفِـيـرَ الجَـهـلِ وَالشَّـرِّ
وَتَـرجِـعُ رِحـلَـةُ الإزَمِ بِـغَـيـرِ الاِسـمِ وَالعَـصـرِ
وَلَـيسَ الرَّأيُ مُـقـتَـصِراً عَلى المَكْتُوبِ بِـالسَّـطرِ
بِـأنَّ مَـعـالِـمَ الأُمَـمِ سِوى المَنقُوشِ بِالصَّخرِ
هِـيَ الأَطـفـالُ كـامِلَـةً بِـصـدقٍ خالِـصٍ فِـطـرِي
وَهُمْ مُسـتَـقـبَـلٌ يُـبـنى فَـلا تَـبـنُـوهُ بِـالـقِـشْـرِ
وضاح سميا