ضَيَّعتُ في سِحرِ الجِنانِ بَيانِي
وأَطَلْتُ وِقفَةَ تائِهٍ حَيرانِ
وَذُهِلتُ مِنْ نَظَرٍ إِلى آياتِها
لَكَأَنَّني في نَشوَةِ السَّكْرانِ
حَولِيْ تِلالٌ كَالحِسانِ تَجَلْبَبَت
جِلْبابُها قَد حِيكَ مِنْ أَغْصانِ
وَأَنا على شَطِّ البُحَيْرَةِ حَالِمٌ
ونَسائِمٌ رَعِشَت كَنَبْضِ جَبَانِ
والشّمسُ مالَت لِلغُروبِ بِقُرصِها
الذَّهَبِيِّ والأَمواجُ فِي لَمَعَانِ
والبُلبُلُ الوَلهانُ غَرَّدَ مُطرِبَاً
فَأَثارَ بِيْ ذِكرى الهَوى وشَجانِيْ
رَبَّاهُ ! أَينَ أَنا ؟ أَهَذي جَنَّةُ
الفِردَوْسِ..ماصَوَّرتَ فِيْ القُرآنِ ؟
وهَلِ القِيامَةُ قَد جَرَت في لَحظَةٍ
وتَجَهَّزَ المِيزانُ بَعدَ ثَوانِ؟
فَعَرَفتُ طَعمَ العَدلِ بَعدَ مظالِمِي ؟
ياما أَدَّقَ عَدالَةِ المِيزانِ!
وَهَلِ الحِسابُ أَتَى فَأَكْرَمَنِي الَّذي
مازِلتُ أَعبُدُهُ بِغَيرِ تَوانِ ؟
فَأَعَدَّ لِيْ عَدْنَاً بُعَيْدَ تَعَاسَتِيْ
وشَقايَ فِي دُنيايَ كُلَّ أَوانِ؟
وَنَسِيتُ كُلَّ مَواجِعٍ لاقَيتُها
في عُمرِيَ المَشحونِ بِالأَحزانِ؟
وَغَفَوتُ في رَوضِ السَّعادةِ والمُنى
وَرَشَفتُ شَهدَ الحُبِّ والإِيمانِ
هَذي الرُّبوعُ مَنابِعٌ لِقَرائِحِ
الشُّعراءِ... سِفرُ قَصائِدٍ وَأَغانِ
في عالمٍ مِنْ خُضرَةٍ أو زُرقَةٍ
ويَلوحُ فيهِ تَدَرُّجُ الأَلْوانِ
أَطلَقتُ أَجنِحَةَ الخَيالِ مُحَلِّقَاً
وَسَرَحتُ في كَونٍ بِلا جُدرانِ
وكَأَنَّما كُنْتُ الأَسِيرَ وعالَمي
سِجنَاً وكانَت أَضلُعِي قُضبانِيْ
فَعَرَفتُ أَنَّ القاطِنِينَ بِغابَةٍ
-حَقَّاً- مُلوكٌ لا ذَوي التِّيجانِ
أَلقَيْتُ في الشَّطِّ البَهِيِّ مَتَاعِبِيْ
وشَرَدتُ ساعاتٍ وَراءَ زَمانِيْ
ماأَبْلَهَ العَصرَ الَّذي نَحيا بِهِ
بَلْ ماأَشَدَّ ضَلالَةَ الإِنسانِ
عُمُرٌ نُبَدِّدُهُ بِكُلِّ تَوافِهٍ
لِنُقَدِّمَ الأَحلامِ كالقُربَانِ
وَنَظُنُّ أَنَّا قَد بَلَغْنا مُنْيَةً
بِالرَّغمِ مِنْ قَلَقٍ وَمِن غَثَيانِ
ياليتَ لِيْ كُوخٌ هُنا مُتَواضِعٌ
وحَديقَةٌ وحَبِيبَةٌ تَرعانِي
نَصحو على شَدوِ الكَنارِ ونَجتَني
من تِينِ ذاك التَّلِّ والرُّمانِ
والقَلبُ في هذا الجمالِ مُسَبِّحٌ
وَمُهَلِّلٌ لِلْمُبْدِعِ الرَّحمَانِ
قَد لُخِّصَت كُلُّ المَحاسِنِ هاهُنا
فَإِذا الدُّنَى بِنَعِيمِها سَطرانِ
حُسنُ الطَّبِيعَةِ والوُجوهِ ونَسمَةٌ
سَكْرَى، وَقَلْبٌ في الهَوى مُتَفانِ
يُسقَى بِكَأْسِ الوَصلِ غَيرَ مُفارِقٍ
أَبَدَاً ولَيسَ يَخافُ مِنْ هِجرانِ
رَبَّاهُ يامَنْ صُغتَنِي مِنْ لَهْفَةٍ
وَأَسَلْتَ عَينَ الحُبِّ مِنْ شِرياني
وجَعَلتَني مادُمتُ حَيَّاً عاشِقَاً
وَجَعَلتَ آهاتي صَدَى خَفَقَانِي
لا تَحرِمَنِّي مِنْ سُلافِ مَحَبَّةٍ
وَوُرودِ حُسنٍ أَزهرت بِلِساني
وتَدَفَّقَت بينَ الضُّلوعِ كَجَدوَلٍ
وتَجَذَّرَت في العُمْقِ مِنْ وِجداني
هَذي الجِنانُ كَأَنَّني مِنْ طِينِها
فَلِذا أُلاقِيها أَحَبَّ مَكانِ
الفَجرُ فِيها لِلمَطامِحِ مَولِدٌ
وَغُرُوبُها في الشَّطِّ بَحرُ مَعانِ
وشِتاؤهَا أَمَلٌ ضَحوكٌ أَبيَضٌ
وربِيعُها أُهزوجَةٌ وأَماني
ياربُّ يَسِّر عَودَتي وأَحِبَّةً
أَسكَنتُهُم يَومَ الرَّحِيلِ جَنانِيْ
لِنَفِرَّ مِنْ هَمِّ الحَياةِ وَزَيفِها
وتَضُمُّنا الجَنَّاتُ بِالأَحضانِ
وَنَغوصَ في كُنهِ الوُجودِ وسِحرِهِ
ونَذوقَ شَهْدَ الحُبِّ والإِيمانِ
بحيرة بلوران عام ٢٠٠٨م
شعر : زياد الجزائري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق