فرح للعجوز
الإضاءة ضعيفة جداا،أكاد لا أرى كف يدى،واللون الرمادى القاتم ،يغلب على المكان،ورائحة نفاذة شبيهة بروائح المسك تعبق الجو ،أسمع حفيف خفيف رغم رقته،إلا أنه يذيد من قشعريرة جسدى ،خزانتى ليس بها غير فستان ناصع البياض،وضفائرى مسدولة برقة شديدة،أحاول جذب أطراف الحديث مع الفتاة المشاركة لى غرفتى،مشغولة دائما فى القرأءة ،تقرأ بعيونها فقط،وكأن ماتقرأه أيا ماكان ينقلها إلى عالمه،أنا فقط أشعر بالخوف وأطلب الونسه!!!
أبحث عن باب للغرفة ،أومنفذ للهواء،لا أجد برغم شعورى بنسائم الهواء المنعشة التى تتسلل إلى المكان،القارئة لا تجيبنى مهما تحدثت،ولا تلتفت حتى لتسكتنى،وكأنها فى عالم آخر.
أتذكر لحظة شرائى للرداء الأبيض،أوصيتهم أن يزغردوا لى ثلاث زغرودات متواصلات لحظة خروجى من المنزل،هكذا كان خروجى الأول من منزل أبى يوم زفافى منذ زمن بعيد،أتذكر الزغاريد،ودموع أمى وأبي وبعض إخوتى ،قالوا لى أنها دموع الفرح،ولكن دموعى لم تكن دموعا للفرح،أتذكر!!كانت دموع الفرقة والغربة عن الأهل والأحبة والجيران،صغيرة تزج الى بلاد بعيدة،لمن أشكو علتى إن جاءت ،ولمن أقص فرحتى إن هلت،؟أتذكر !!حينما حلت لى الماشطة ضفائرى لتصفف الغجرى المجنون،أتذكر!! حين دخلت جلوتى وكيف خيم الحياء على كيانى ولفنى،أتذكر ذاك القلم الأحمر الذى لمع شفاهى لاول مرة،أتذكر خوف المرود على عيون طفولتى ورفقته بها،أتذكر الحنًانة وركوعها امامى بعد وضعى على كرسى خشب لتستعدل فى رسم وشم الكف والقدم وعضلة الكتف،أتذكر اول حذاء ذو كعب عالى،أتذكر ضجيج الذهب فى رسغى،ورقصة فوق الصدر.وأتذكر بكائى الذى شوه وجهى بسيل من الألوان الفارة من أماكتها،إلى أين يقودنى ذلك الفارس الفرح المهلل،إلى أين يقودنى مصيرى.؟؟!
سكن جسدى،وسكنت منزله،ملىء بطنى ،وملئت دارة بعزوة يحسد عليها،لم أذهب الى منزلى والدى غضبانة مرة واحدة على مدار خمسون عاما،ليس لأنى أعيش مع الملائكة،ولا لأنى قديسة لا أجيد النزاعات،ولكن لأنى حسبتها بعقلى،ماالجدوى فى الفرار من منزل انا مَلِكتُهُ إلى منزل أصبحت فيه ضيفة عزيزة،وكيف أستعين بمن يصلح مابينى وبين زوجى،وأنا السكن وهو المودة والرحمة،كان يغضب فأحتويه،ويتهور فاحتمله،ويؤذينى أحيانا فأنتظر لحظة الاعتذار المقبولة مسبقا،فى النهايه،إخترت البقاء بسكون محمود.
أما هذة المرة فقد نضجت ،واصبحتُ سيدة شموخة الرأى والرأس،وأصبح تحت إمرتى من يطيعنى من البنين والبنات،أعرف أن قرارى لا يفرحهم،ويعرفون أنه يفرحنى،أعرف أنهم سيبكون لخروجى من بيتهم إلى بيت تمنيته بشغف،ويعرفون انه حلم أجهدنى إنتظارة،اعرف أنهم سوف يزغردون لى رغم الدموع،أعرف أنهم لن يرحلوا سريعا بعد دخولى بيتى،أعرف أنهم سيبادرون بزيارتى فى الصباح،أعرف أن سعادتى تسعدهم رغم صعوبة الموقف.
ولكنى لا أعرف أين باب الغرفه،ولا من أي إتجاه أراهم،يحدثنى قلبى بانهم قريبون جدااا،أسمع وقع أقدامهم
اسمع أصواتهم جيداااا.
أراهم بكل وضوح،أرى يد" هاجر" تلمس باب الغرفة ،وتجثو على ركبتيها باكية بشدة،لماذا كل هذا البكاء؟! لماذا يلتفون حول "هاجر" بهذا الشكل ؟
لماذا باب الغرفه فى منتصف السقف؟
#ايمان العطيفى