وَلَّى الصِّبَا ... وتبدَّلَتْ أَطوارُ
هيَ سُنَّةٌ تَجري بها الأَعمارُ
لِمَتَى تَحنُّ إِلى الدِّيارِ وأَهلِها؟
فَلَقَد غَزاكَ منَ المَشيبِ نَهارُ
لم يَبْقَ فيها لِلأَحبَّةِ مَنزِلٌ
مَضَتِ الحُدَاةُ بِرَكبِهِنَّ وسارُوا
فانْظُرْ إلى تلكَ المَرابعِ أَقفرَتْ
لا الأَهْلُ أَهْلٌ ... لا الدِّيارُ دِيَارُ
فِيمَ الوقوفُ على الطُّلولِ مُناجِيًا؟
أَتَظُنُّ سوفَ تُجيبُكَ الأَحجارُ؟
أَوَ بعدَ تلكَ الأَربعينَ تَعَاقَبَتْ
ما زالَ يَنفثُ حُزنَكَ القِيثارُ؟
فَارْأَفْ بِنفسِكَ يا وليدُ مِنَ الأَسَى
وَارْكَنْ لِمَا حكمَتْ بهِ الأَقدارُ
آمنتُ بالأَقدارِ لكنَّ الهَوَى
باقٍ ... وشوقي لِلأَحبّةِ نارُ
ما خَيَّمَ الليلُ البهيمُ وَضَمَّني
إِلَّا وَهَيَّجَ لَوعتي التَّذكارُ
مُسترجِعًا ما مَرَّ مِنْ عَبَقِ الصِّبَا
لِسُوَيعةٍ إِذْ طابَ لي مِشْوارُ
فَأُرَى لِدَيرِ الزُّورِ تَنقلُني الخُطَا
لِيَقودَني عَبْرَ الدُّروبِ مَسَارُ
فإِذا وَلَجْتُ إِلى الزُّقاقِ تَمَلمَلَتْ
بي خَشْيَةٌ ... وتزاحَمَتْ أَفكارُ
أَتَغَيّرتْ أم ما تزالُ على الهَوى
منْ بَعدِ نَأْيٍ شطَّ فيهِ مَزَارُ؟
فاسْتقبلتْني عندَ عتبةِ أهلِها
جَذْلَى يَشعُّ لِوجهِها اسْتِبشارُ
لِأَرَى مُحَيَّاها تَبسَّمَ ضاحكًا
وعلى الخُدُودِ تَضوَّعَ النُّوَّارُ
خمسٌ عِجَافٌ ما الْتقَينا مرَّةً
يا لحظةً مُسِحَتْ بها الأَكْدارُ
ماتَ الكلامُ على الشِّفاهِ هُنيهةً
لِيَدورَ ما بينَ العُيُونِ حِوارُ
يا لَذَّةَ اللُّقيَا ولكنْ لم تَدُمْ
ساعاتُ أُنْسِ العاشقينَ قِصَارُ
كَمَنَتْ لنا خلفَ السِّتارِ شقيّةٌ
في مُقلتَيها يَستبدُّ سُعَارُ
فَعَلى صليبِ الحِقْدِ علَّقَتِ المُنَى
لم تَحلُ لي من حِينِها الأَسْمارُ
أَرَقٌ على أَرَقٍ فما لي راحةٌ
فالنَّومُ بعدَكَ يا حبيبُ غِرَارُ(1)
أَيَلومُني فيما أُعاني عاذِلٌ؟
هل لي بِصَبرٍ يا عَذُولُ يُعَارُ؟
تَشتاقُ نفسي لِلرُّبوعِ وإِنْ خَلَتْ
فَلِدَارِ مَنْ أَهوَى بِقَلبيَ دَارُ
عندي السُّلوُّ يُعَدُّ شَرَّ خطيئةٍ
بَلْ ذاكَ كُفْرٌ بالعُهودِ وَعَارُ
حُبِّي لِمَنْ في الدَّيْرِ ليسَ بِمَيِّتٍ
حتَّى يَهُبَّ لِقَبريَ الحَفَّارُ
______________________
(1) - الغِرَار : أقَلُّ النوم.
2022/2/11
وليد العاني
(غِرِّيد النواعير)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق