(احتضار)
للمَوتِ سَمْتٌ في الوجوهِ تراهُ
ولَهُ علاماتٌ تُريكَ خُطاهُ
أجَلُ ابن آدمَ إن دَنا أخَذَ النَّضا
رَةَ مِن ملامح وجههِ وبراهُ
ويقولُ ألغازاً ويَسكُبُ حِكمةً
ويزينُ مُبهَمَ لفظه مغزاهُ
حتَّى وإن أُخِذَ ابن آدم فجأةً
فلعلَّ خِلٌّ في الحياة رثاهُ
أرَأيتَ مَوتاً حاضراً مُترقِّباً
مُدَّت يداهُ وأحدَقَت عيناهُ
أرأيتَ قرماً في أواخر عهده
بحقارةِ الدُّنيا تَخُورُ قُواهُ
تمضي ويبقى ضعفهُ حتَّى يَحيـ
ـنَ محاقه ليدُكَّ ما أعلاهُ
مِن مُنكراتٍ لم يدَع إتيانها
أرْدَتْهُ في أحضانها دُنياهُ
نَسِيَ الملذَّات التي أخذَت بِهِ
نحو العذاب مُفَصَّلاً معناهُ
رِئةُ يُمزِّقها الهواءُ وطالما
نَشَقَت بداخلها الصَّبا رِئتاهُ
وغَدَى وآلات التَّنَفُّس صُحبةً
وطبيبهُ تِردادُهُ أضناهُ
مِن أجْلِهِ في كُلِّ حينٍ ضَجَّةٌ
تقضي بها غَيبوبةٌ تغشاهُ
حتَّى إذا الأسقام أتلَفَت الحشا
قال احملوهُ الإحتضارُ غزاهُ
كُلُّ الوظائف مِن تَعَطُّلها دَنَت
ليُفارق الدُّنيا إلى مثواهُ
فذَرُوهُ تَصعَدُ روحُهُ مِن دارِهِ
هذا الممات أحَبُّ ما يَرضاهُ
وهناك أرحام المُفارق جُمِّعَت
لا تفتديهِ مِن الذي يخشاهُ
يَتَمّلَّكُ الألمُ الشَّديد بجسمهِ
في كُلِّ عضوٍ نابُهُ آذاهُ
كَبِدٌ بهِ اليرقان يُلحِقُ صُفرةً
في الوجهِ لا ينحازُ عن مأواهُ
وتَلي تَمَدُّدَهُ السَّريع خناجرٌ
مِن طعنتين يَوَدُّ لو ألقاهُ
فإذا اضمَحَلَّت كليتاه دماؤهُ
تَذَرُ التَّسَمُّمَ آخِذاً مجراهُ
ويَحُلُّ في القلب الضَّعيف تَضَخُّمٌ
يَطغى على رِئتين عالَجتاهُ
صَعُبَ التَّنَفُّسُ بانضغاطِ سَبيلِهِ
ودَم الضَّنى رِئتاهُ فَجَّرَتاهُ
شَهَقاتُها خَنَقَت رِئآتاً عايَنَت
مَوتاً على الأحياء يَفتحُ فاهُ
ماتَ الجبان وعاش ليث شجاعةٍ
لمَّا استَمَرَّت بعده ذكراهُ
لَلمَوت في طلبِ المفاخر أكرمٌ
لا مَوت عِيرٍ حُمقُهُ أغواهُ
الحُمقُ يسري في العُقولِ مُخَدِّراً
حتَّى يصيح العَبد واأسفاهُ
لا تُدبرَنَّ عن الوَغى إن أقبلت
مَن فَرَّ مِن طَعن الوَغى عاناهُ
أدِّ الحُقوقَ لصالحٍ ولفاجرٍ
فلعلَّ بعد اليوم لا تلقاهُ
اللَّـٰهُ يَرحَمُ مَن تُوفِّيَ مؤمناً
اللَّـٰهُ رحمانٌ وليس سواهُ
★…★…★…★…★…★
حسن فرحان